رقية مبروكة
منذ انطلاقة السينما والمنتجين يسعون إلى تجسيد الخيال في صورٍ حية متحركة، يمكن للمشاهدين تصديقها والتفاعل معها بعواطف حقيقية غير مستعارة، لذا نجدهم في تحدٍّ مستمر مع ظروف العرض السينمائي، التي تضع كلّ ما تستطيعه من حواجز تحول دون انسياب المشاعر، وتمكين حالة المصداقية الكاملة، ولم تتوانَ السينما عن تطويع التكنولوجيا لأجل خلق مساحة أوسع من الخيال الحقيقي .
في السينما يجلس مشاهد الفيلم بين غرباء على مقعد مخملي، يحيط به الحوائط المبطّنة والأضواء الخافتة وأزيز الآلات وأنظمة التكييف، ويُمكنه مع أصغر التِفاتةٍ أن يرى لافتة “مَخرج طوارئ” هنا وهناك، وقد تقطع عليه الاستراحة حالة اندماجه مع أحداث الفيلم ( لم تعد موجودة في الوقت الحاضر ). كل هذه الموانع تقف أمامه، مع ذلك يستمر في المشاهدة والتأثُّر والتصديق، أحيانا يشرع في البكاء أو ينتابه الفزع، إنه اتفاق ضمنيٌّ يعقده المشاهد مع الشاشة الكبيرة كنافذة عملاقة، يمنحها بموجبه انتباهه وتصديقه الكامل، على أن تُريه أشهى أحلامه وأفظع كوابيسه وفقاً لرغبته .
منتجو السينما رافقوا العلم و التكنولوجيا طوال الوقت، ولم تتوانَ الآلات الحديثة والشاشة الخضراء عن تقديم ما في جعبتها من ابداع وعبقرية في تجسيد خيال حقيقي يصعب تفريقه عن الواقع، الا و قدمته على طبق من فضة، وعززت بذلك عقد “التصديق” المبرم بين السينما والجمهور الذي اختار بإرادته الحرة ان يكون مخدوعاً لساعة ونصف الساعة، أو ربما اكثر أمام هذه الشاشة العملاقة التي تسمى “سينما”، وهو ممتنّ لكل ثانية خداعٍ تنطلي عليه، معلناً تصديقها أمام الملأ و مبتعداً بها عن واقعه المرير.
Views: 23